التعليم بين الخاص و العام

التعليم بين الخاص و العام

مقدمة

للمدرسة غايات عديدة يمكن تصنيفها إلى ثلاث : الخلق و السلوك ، العلم و المهارة ، والمادة.

الغايات الخلقية و السلوكية تشمل الدين و الخلق و حسن التصرف و الآداب . وهي تختلف باختلاف الناس و ما يدينون و بيئاتهم و ثقافاتهم المختلفة لكن بين بني آدم جميعاً اشتراك في الأخلاق، كالصدق و الأمانة في المحمود و كالسرقة و الكذب في المذموم مثلا. و لا مناص من الاشتغال بهذا الجانب لمن يعمل بالتعليم فهو لا يقبل الفراغ فمن لم يكتسب خلقاً حسناً أو أدباً محموداً فقد باء بالسيء و المذموم . كما أن تعليم الخلق و الأدب يتحصل قليله من مواعظ و دروس و جله من السلوك و القوانين و الأنظمة التي تسير عليها المدرسة و الوقت و الأهمية التي تبديها تجاه كل خلق و أدب .

الغايات العلمية و المهارية تشمل أنواع العلوم المختلفة الاجتماعية و الأدبية و الطبيعية بجانبيها النظري و التطبيقي. و تنقسم إلى أساسية و مهنية ، فالأساسية هي القدر من العلوم و المهارات التي تلزم كل فرد من الأمة كي لا يكون عالة عليها و هي غاية و مقصد مرحلة التعليم الأساسي الإلزامي، و أما المهنية فهي ما يلزم الطالب ليمتلك ناصية موضوع واختصاص ما، فيسد حاجة مجتمعه و يصلح حاله من جهة هذا الاختصاص ثم اذا ازداد منه أفتى فيه و طوره و أتى بكل جديد نافع ليكون المرء قائدا في المجتمع يرجع إليه و يعمل بقوله في اختصاصه، لذلك فهي تختلف باختلاف العلوم و المهن و كل طالب يأخذ منها ما وافق هدفه و غايته .

الغايات المادية في المدارس العامة تتمثل في تحقيق و تلبية حاجات الأمة من مختلف الاختصاصات و المهن المختلفة و هو قيام بواجب و فرض لازم في حق الأمة و من ينهض بأمر التعليم فيها . و هو عمل على تنظيم و توجيه أفراد الأمة لتحقيق ما هو فرض كفاية في حق كل فرد . و أما في المدارس الخاصة فتشمل المال و ربما في بعض الحالات سد حاجات جماعات مخصوصة من الناس لأصحاب بعض العلوم و الفنون المخصوصة .

كلمة إلى من أراد الاشتغال في التعليم

التعليم العام يأخذ كل أنواع الطلبة ليخرج كل أنواع المشتغلين بالعلوم والمهن المختلفة و يستعمل لذلك التفاوت الطبيعي في القدرات و الميول بين الطلاب لكن يقوم بتوجيه ذلك بحسب حاجات الأمة كما يراها القائمون على التعليم . فهو مدخل واسع و مخرج واسع . و هو يحتاج إلى إمكانات هائلة وتنوع في المدارس العلمية و التقنية و المهنية و غيرها ، لذلك تقوم به الأمة مجتمعة .

 التعليم الخاص غالبه نوعان، فمنه من يأخذ كل أنواع الطلبة ولكن إلى غاية و هدف محدد كمدرسة للأدب أو مدرسة للتقنية . فهذا مدخل واسع و مخرج محدد . و فائدته هي التخصص و التركيز على أنواع مخصوصة من العلوم و المهارات و الآداب ليصدر عنها أفضل أهل العلم أو الفن و رواده و قادته . و منه من يأخذ فئة محددة من الطلبة كأصحاب المهارات الرياضية أو اللغوية أو العقلية أو أصحاب القدرات المحدودة مثلاً فيأخذ بأيديهم إلى غاياتهم المختلفة من العلوم و المهن فهذا مدخل محدد و مخرج واسع و فائدته أن يكيف التعليم و التدريب و الأساليب على قدر الفئة المستهدفة فتصل إلى غاية ما يمكنها من تفوق .

 نوعان آخران من التعليم الخاص يحتاجان إلى إمكانات كبيرة جداً : أولهما واسع المدخل واسع المخرج ، يقبل جميع الطلاب و يسعى لتأهيلهم لمختلف التوجهات كالتعليم العام، ويستجلب الطلاب بتوفير امكانات أكبر من التعليم العام و عناية فردية كما يستجلبهم بمساعدتهم على تحقيق ميولهم و توجهاتهم في العلم و المهنة فهو ليس محكوماً بتوجيه على مستوى الأمة . أما ثاني النوعين هو محدد المدخل و محدد المخرج كمدرسة تقبل فقط الطلاب المتفوقين ذوي الميول العلمية و تؤهلهم في المجال الهندسي و التقني فقط فهو يجمع فضيلتي التخصص في علوم و الفنون و ملائمة وسائل التعليم للطلاب لكنه يعاني غالبا من محدودية أعداد الطلبة.

ينبغي لكل مقدم على التعليم أن يكون واضحاً لديه بلا لبس الأهداف و الغايات التي يسعى إليها مشروعه في الدين والخلق والآداب والعلوم والمهارات والمال ، ليكون حسن الاعداد لكل ذلك موجوداً في كل جزء و تفصيلة في العمل من الأقوال و الأفعال و البنية التحتية و حتى الشكل و الزينة . كما ينبغي لمن عرف أهدافه و غاياته أن يعرف أولوياتها و تفاضلها فليس كل ما يراد يدرك وكل عمل محدود بالوقت و المال و الكفاءات المتوفرة .

كلمة إلى أولياء الامور

أيها الآباء و الأمهات ، إنما تعليم الأولاد و البنات الدين الصحيح و الخلق الكريم و الأدب الرفيع و السلوك القويم و العلوم النافعة و المهارات اللازمة هو مسؤوليتنا وحدنا ، فإن عهد أحدنا إلى نظام تعليمي أو مدرسي بفلذة كبده لتعليمه و تقويمه فليعلم أنه لا مدرسة شاملة لكل شيء فعلينا أن نكمل و نتمم، و لنذكر أنه لا عمل إلا و فيه نقص أو قصور فلا نغفل عن متابعة نتائج التحصيل و التعلم و السلوك في الأولاد و البنات .

أخي ولي الأمر اختر ما ينفع و يوافق ابنك أو ابنتك من أنواع المدارس أو التعليم و اعلم أنه لا فضل بالمطلق لنوع على آخر و إنما يجري التفضيل بحسب امكانات و احتياجات الطالب ، فلا تمش وراء بهرج بعض المدارس أو وعود أخرى و حتى لا تنشغل بمصلحة الأمة العامة (إلا لو علمت يقينا بثغرة تركت دون بطل يحميها ) فمن الطلبة من لا يصلحهم إلا التعليم العام و منهم من يحتاج إلى تعليم خاص و منهم من لا ينفعه كل أنواع التعليم المعروض فأخرجه من كل المدارس و قدم له ما ينفعه في دينه و دنياه . عسى أن أن نرى من أبنائنا و بناتنا من ينهض بالأمة و يدعو لنا بعد الممات .

و الله أعلم .



Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Scroll to Top